السبت، 9 أغسطس 2014

رأيي فيما يحدث

رأيي فيما يحدث! وسينشر قريبا..
العراق.. اعادة ترتيب الاوراق !


عبد السلام مدني
almedeni@yahoo.com
لم تكن عقدة منشار واحدة تلك التي كانت في طريق العملية السياسية في العراق، انما عقد كثيرة وكبيرة. ويبدو ان رهانا كان في الافق بان لا يتم انتخاب المالكي وقائمته في الانتخابات النيابية الاخيرة، الا ان النتائج جاءت بعكس المأمول فكان لابد من اعادة ترتيب الاوراق. و(داعش) كانت الاسم والشرارة فقط، اما الباقي فيتكفل به من هم في الداخل. والبداية كانت في الموصل. فلا الجيش قاتل، ولا الناس في المدن (المحتلة !) تذمرت. بل ان هناك وثائق تؤكد ان اوامرا جاءت من الحكومة المنتخبة في نينوى تحرص ان لا يقاتل الجيش، بل يأمر بعدم المواجهة مع (المجاهدين)! وحرق كافة الملفات والاوراق التي فيها عقود الجيش والشرطة وغيرها من المؤسسات الحكومية مع اطراف متنوعة.
جدير بالذكر ان داعش ليست داعشا واحدا والكل ليسوا من الخارج. ففيهم من جاء من الخارج ومنهم من هم في الداخل وفيهم الاسلاميون والبعثيون والعشائر. وفي العموم اختراق الجماعات المسلحة من قبل دول ومخابرات ومرتزقة من اسهل ما يكون. لان السماء لا تمطر سلاحا ولا عتادا ولا أموالا!!
يحدث فراغ أمني وعسكري في مناطق 140 وسرعان ما يقوم الطرف الكوردي بملء الفراغ معلنا انه لن يتراجع عن مواقعه العسكرية الجديدة، بل ويحث الخطى نحو الاستفتاء الذي لن يؤدي الا الى ضم مناطق المادة 140 وخاصة كركوك الى الاقليم، ومن ثم التوجه نحو اعلان الدولة، وفي كل هذ الخضم يصر المالكي على الولاية الثالثة.
منذ بداية التغيير في العراق في نيسان 2003 والحوار الوطني كان مجرد شكل مفرّغ من المضمون. لم تكن الاطراف السياسية واثقة من بعضها. وخاصة الاطراف الاساسية الثلاثة المشكّلة لأغلب النسيج المجتمعي العراقي. السنة، الشيعة، والكورد. فالسنة كانوا وما يزالون مصدومين من هول ماحل بهم من تهميش للدور الى حد الاقصاء. وزاد الطين بلة عليهم ما هم عليه من تفرق بين قيادات لا يجمعها لا جامع الطائفة، ولا القومية، ولا حتى الوطن. من جانب آخر أتى الشيعة بكل الآم الاقصاء التاريخي والثأر المذهبي لكي يستعيدوا مجدا مسلوبا باليات ديمقراطية، واحيانا غير ديمقراطية. فهي فرصة للعودة، للبقاء، للتوسع وللاستمرار. الطرف الكوردي دخل المعادلة السياسة معتبرا نفسه متنازلا عن وضع اقرب الى الدولة من بداية التسعينات ليدخل في عراق فيدرالي في 2003 مبني على اساس الشراكة والتوافق والتوازن، مستندا على نصوص دستورية وتوافقات سياسية ليستعيد حقوقا اكثر مسلوبة منه منذ عقود من حكومة البعث وما قبلها. الهوية العراقية ليست مهمة بالنسبة له، ولا يضطره للبقاء في هذا الاطار سوى المعادلات الدولية.
نسيج سياسي فيه مثل هذه التوجهات وغير واثق من بعضه البعض ولم بخض حوارا وطنيا على اساس مشتركات يعنيها ويبني عليها بلدا ويكرس ويرسخ هوية وطنية موحدة لا يمكن ان يستمر طويلا. وهذا ما حدث ويحدث. مطبات وازمات سياسية متعددة وتدخل خارجي غير خاف على احد وتوتر امني واستهدافات اقصائية واغتيالات وتفجيرات لم ترحم احدا.
بعد اقصاء المالكي للطرف السني منذ اربع سنوات، وبعد الجدل الكثير حول نفط كوردستان وسعي المالكي لولاية ثالثة لم يكن من بد من اعادة ترتيب الاوراق وقص اجنحة بعض الاطراف. وداعش كانت افضل ورقة !
المالكي يأخذ صفعة بفشله الاداري والامني والعسكري. وكل محاولاته لكي يبرز نفسه كبطل وطني فشلت وفي فشل مستمر. وكل محاولاته - الى ساعة كتابة هذا المقالة قبل نشرها بستة أيام – لا اراها تجدي. فالمالكي اصبح ورقة خاسرة والكل سيتخلى عنه، ولن يحصل على الولاية الثالثة. والطرف الشيعي يجب ان يفكر في مرحلة مابعد المالكي. وان كانوا حريصين على عراق موحد وديمقراطي وآمن فلابد لهم من مشروع وطني غير اقصائي ولاانتقامي وغير أمني جامع على الهوية الوطنية ومبني على اساس الخدمة والتنمية.
العرب السنة لابد لهم من قبول الواقع الجديد. لم يعد العراق ولن يكون بيد السنة كقيادة مركزية موحدة. يجب عليهم ان يصحوا من هذا الحلم. انهم شركاء وبالحجم الذي اثبتته الانتخابات المتكررة. والافضل ان يجمعوا شتاتهم ويوحدوا صفوفهم للاندماج المجتمعي والدخول بجدية في العملية السياسية ولايعلقوا فشلهم في التوحد على مشروع ورؤية واضحة للعراق على طائفية هذا الطرف او انقسامية الطرف الاخر او على مؤمرات اقليمية ودولية.
الكورد عليهم ان يكتفوا بالاقليم الفيدرالي وان ينسوا حلم الدولة الى ان ينقسم العراق بإرادة دولية مباشرة قد يصل اليها بقناعة مصلحية معينة، او كنتيجة لصراعات الاطراف التي لن يكون معها حل اخر سوى التقسيم. وظني ان تحرشات داعش، ومن ثم تهديداتها المباشرة للإقليم والقتال الذي حدث كان ردا على فكرة انتهاء تطبيق المادة 140، وتمركز البيشمركة في مناطق المادة 140 والاعلان ان الكورد لن ينسجبوا منها، والتوجه نحو الاستفتاء على تشكيل الدولة. لان الوقت لم يحن بعد. كان جليا ان الطرف الامريكي لايرى كوردستان الا ضمن عراق موحد، وكرروها كثيرا ومرارا وتكرارا، ولكن الطرف الكوردي كان لايسمع ذلك، بل اهمل تصريحات وزير الخارجية الامريكي والقنصل البريطاني الواضحة تجاه مفهوم الاستقلال، واهمل زيارة جون كيري الى العراق والاقليم وتوضيحه للموضوع مرة اخرى مع ضعف استقباله في مطار اربيل، وأمّل نفسه بمجموعة تصريحات من الطرف الاسرائيلي التي اعطته أملا كاذبا بنى عليها استراتيجية سياسية عقّدت عليه الامور في المحيط العربي والاسلامي. كما عقّدته – بعد ذلك – سياسيا وعسكريا عندما استفزت تلك الارادة والتصريحات والتاييدات داعش المعبئة دينيا من اسرائيل واحداث غزة وسُمِح لهم بفتح جبهة مع الكورد ايضا وارجاعهم الى نفس المناطق التي كانوا عليها. ولم يتم التدخل الدولي الا عنذاك. مع درس ان هذه هي الحدود، بل وتضييق حدود المادة 140 واعادة توزيع الساكنين فيها كُلاَ الى مناطقه ليحتمي بها ويبقى هناك لاجئا، ومن الممكن مستوطنا ضمن حدود – مساحات - ثلاث ضمن سلسة الاحداث التي تمهد بالتدريج لفيدراليات ثلاث في عراق واحد يتم العمل عليها نفسيا وسياسيا وعسكريا وديموغرافيا.
الدعوة واضحة لكل (ساكني!) العراق – السياسيين قبل المواطنين – ان حوارا جادا وعقدا اجتماعيا صريحا اصبح مطلوبا لحل الخلافات في الداخل والرضا بالتوافق الحقيقي غير الاقصائي او الاستعلائي والبدء بالعمل من أجل ان تحتوي هذه الارض الجميع من دون اقصاء.
قد تكون داعش مجرد جماعة فكرت وخططت ضمن سياقات سياسية معينة وتمخضت عنها كل هذه النتائج وقد تكون هناك ارادات اقليمية ودولية حركت داعش باتجاه هذه النتائج. حاليا مايهم هو ان نعرف ان هذا فصل اخر من تراجيديا العراق ماتزال كتابة سطوره مستمرة نحاول ان نستشرف ملامح نهاياته، ومن الضروري ان نجعله في صالحنا وان نمنع التكرار لنحفظ الدماء والموارد. فهل يمكننا ذلك؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق